ادعمنا

الحصار الاقتصادي - Economic Blockade

تُستخدم الأدوات الاقتصاديّة على صعيد العلاقات الدوليّة كأداة للعقاب؛ حيث تُرفقها الدول بتحقيق أهدافها السياسيّة. إذ انتشرت مفاهيم عديدة مرتبطة بها للدلالة عليها ومن بينها السلاح الاقتصادي والعقوبات الاقتصاديّة والحرب الاقتصاديّة وغيرها… فقد يبدو للبعض أنّ هذه الأدوات الاقتصاديّة سلميّة ليست لديها آثارًا خطرة وبينما البعض الآخر يعتبرها أنّها تتساوى بخطورتها مع باقي الأدوات العسكريّة وحتّى تفوقها. فمن بين هذه الأدوات هناك الحصار الاقتصادي، فما المقصود به وما هي أبرز النماذج التي طُبّق فيها؟

 

تعريف الحصار الاقتصادي

أوّلًا لا بدَّ من تعريف الحصار معجميًّا، فيُعرّف قاموس بنغوين للعلاقات الدوليّة الحصار على أنّه: "إجراء يرمي إلى منع الوصول إلى أراضي العدو أو الخروج منها. وهو عادةً حصار بري أو بحري لكنه قد ينطبق أيضًا على القوات الجويّة. ويستخدم الحصار عادةً في حالة الحرب حيث ترمي أهدافه إلى حرمان قوات العدو و/ أو سكانه المدنيين من الموارد والغذاء. ويمكن استخدامه أيضًا في أوقات السلم حيث يكاد يكون عملًا حربيًّا وعملًا انتقاميًّا لعمل غير قانوني." وقد ميّز المعجم السياسي بين الحصار الحربي والحصار السلمي؛ فالحصار الحربي هو "إقامة نطاق من القوات المسلحة حول موقع محصن كمدينة أو قلعة أو معسكر ومنع اتصالاته مع الخارج، وحمل المحاصرين على الاستسلام بعد انتهاء ذخيرتهم أو المواد الغذائية الباقية لديهم أو المياه المخزونة." أمّا الحصار السلمي "تدبير تتخذه إحدى الدول ضد دولة أخرى دون إعلان الحرب عليها فتكلف أسطولها الحربي بمنع الاتصال مع مرافئ تلك الدولة بقصد الضغط عليها وحملها على تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية أو السياسية أو تنفيذ التزاماتها الدولية." بينما على صعيد تعريف الحصار الاقتصادي معجميًّا فيُعرّفه قاموس كولنز- Collins على أنّه: "حظر تجاري شامل مع دولة أو منطقة، يهدف إلى الإضرار بالحكومة أو ازاحتها."

 

مفهوم الحصار الاقتصادي

يُعرّف نيكولاس مالدر- Nicholas Mulder الحصار الاقتصادي على أنّه: "سياسة وُضِعت كشكل من أشكال الحرب الاقتصادية، أُعيد تصويرها كوسيلة وقائية ضد الحرب." فتبعًا لتعريفه يدرجها ضمن الحرب الاقتصاديّة وكآليّة للوقاية من الحرب. ومن زاوية أخرى قد أشار وولف هاينتشيل فون هاينيغ- Wolff Heintschel von Heinegg إلى أنّ الحصار الاقتصادي يرتبط "بتطويق قوات العدو المسلحة أو في قطع خطوط إمدادها. ولكن حتى لو فُرِض حصار اقتصادي بالمعنى الدقيق للكلمة، فسيكون هناك دائمًا عنصر استراتيجي: قطع الروابط التجارية للعدو وإضعاف اقتصاده سيؤدي أيضًا إلى إضعاف قوته العسكرية في المقاومة." فيكون بتعريفه قد ربط بأنّ رغم تعدّد صور وأهداف الحصار الاقتصادي، فإنّه يرتبط بنهاية المطاف بإضعاف العدو عسكريًّا. وكذلك يُشير محمد صلاح محمود إلى أنّ: "يعد الحصار الاقتصادي الدولي سلاح اقتصادي قديم وعمل حربي يستخدم لتغيير سلوك الدولة المستهدفة باتجاه الدولة التي فرضت الحصار. إلا أن تطور الآراء والنظريات في قانون العلاقات الدولية الحديثة أدى الى ظهور حصار سلمي سمي (الحصار الاقتصادي)". وبالتالي إنّه أيضًا من الباحثين الذين اعتبروه سلاحًا اقتصاديًّا قادت التطوّرات إلى اعتباره حصار سلمي. وبذلك إنّ تعريفات الباحثين تختلف فالبعض يربطه بغايات عسكريّة والبعض يعتبره سلاحًا سلميًّا.

 

الفرق بين الحصار الاقتصادي والحظر الاقتصادي

بعض الباحثين يدمجون بين مصطلحي الحصار والحظر بالمجمل إلّا أنّ هذا خطأ شائع. فالحصار يعني Blockade باللغة الإنكليزيّة، أمّا الحظر يعني Embargo. ففي هذا الصدد يقول غراهام بانرمان- Graeme Bannerman أنّ: "الحصار يختلف تمامًا، إنّ الحصار هو إغلاق السواحل التابعة لكيان آخر أمام التجارة الدولية بواسطة القوة العسكرية. يمنع الحصار الأطراف الثالثة من القيام بالأنشطة التجارية العادية. وبشكل عام، الحصار يُعتبر فعل حرب بدلاً من مجرد ممارسة سلطات شخصية." وفي التعمّق في الاختلاف بين المفهومين من الناحية الاقتصاديّة، فالحصار الاقتصادي كما اتضح آنفًا يتضمّن الإجراءات التقييديّة التي تستهدف دولة ما بشكلٍ كامل وتؤثّر على اقتصاد الدولة المستهدفة ككل. بينما الحظر الاقتصادي قد يكون موجّهًا نحو قطاع معيّن من الدول المستهدفة أو نشاط محدّد دون التأثير على اقتصاد الدولة ككل. فعلى سبيل المثال قد يكون الحظر الاقتصادي عبر فرض عقوبات على مؤسسات معينة أو فرض قيود على الاستثمار في قطاع معيّن. فهذا يعني أنّ الحصار الاقتصادي هو أوسع من الحظر الاقتصادي، ويُمكن استخدام الحظر كأداة ووسيلة ضمن أدوات الحصار الاقتصادي. كما أنّ "الحصار عادة ما يكون إجراءات أكثر تطرفًا من الحظر الاقتصادي. وغالبًا ما يُستخدم خلال فترات الحرب، وقد يتصمّن استخدام القوة العسكرية. أما الحظر الاقتصادي، فيكون عادة أقل حدة ويمكن رفعه بسهولة أكبر." 

 

الحصار الاقتصادي والمشروعيّة

إنّ الحصار الاقتصادي يُفرض من قبل دولة أو مجموعة دول أو منظّمات أو هيئات دوليّة إقليميّة وذلك بعد استنفاذ الخيارات السياسيّة. فإذا فرضت دولة ما حصار إنّها تُدرجه ضمن سياستها الخارجيّة وكذلك تُعد الأنظمة والقوانين التي تتلاءم مع فرض الحصار. أمّا من ناحية فرضه من قِبل مجلس الأمن؛ فيُعد أداة أو تدبيرًا قصريًّا يُفرض على الدولة المعتدية في حال قيامها بأعمال تتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة. فلا يُمكن اعتبار الحصار الذي يُفرض عبر الأمم المتحدة شرعيًّا إلّا إذا اتُخِذ بقرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. فقد نصّت المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الحصار الاقتصادي عبر الإشارة إلى ما يلي: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء 'الأمم المتحدة' تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيًّا أو كليًّا وقطع العلاقات الدبلوماسيّة." وبالتالي يُمكن فرض الحصار الجزئي أو الكلي ولكنّ شرط الالتزام بأحكام القانون الدولي واتفاقياته، "حيث يمنع استهداف الحصار للفئات المدنية ويستثني حتى ما يتعلق بحاجات الدولة المستهدفة فيما يتعلق بالعمليات الإنسانية. فيُشدّد "الباحثون على وجود شروط يجب الالتزام بها عند فرض الحصار السلمي، ومنها الإعلان عن حالة الحصار بواسطة السلطات المختصة، مع تحديد توقيت بدء الحصار والحدود الجغرافية للمنطقة المحصورة، والفترة التي يُسمح فيها للسفن المحايدة بمغادرة المنطقة المحصورة. يشمل ذلك أيضًا إخطار السلطات المحلية والدول المحايدة بتوقيع الحصار، وكذلك توجيه الإخطار إلى السفن التي تقترب من نطاق الحصر." علاوةً على ذلك إنّ القانون الدولي الإنساني يفرض على الدولة التي تفرض الحصار الالتزام بالمبادئ الإنسانيّة وتقليل من تأثيرها في معاناة المواطنين، فيُشدّد على ضرورة تفادي المعاناة غير المبررة للسكان المدنيين.

 

أهداف الحصار الاقتصادي

يُعد الحصار الاقتصادي من الوسائل التي تتخذها الدول أو المجتمع الدولي بغية تحقيق الهدف الذي دفعها إلى فرضه. فتتعدّد أهداف الحصار الاقتصادي ولعلّ أبرزها يتجلّى في فرض ضغوط دوليّة على الدولة المستهدفة وذلك لتحقيق تغيير في السلوك السياسي أو الاقتصادي بغية حثّها على تعديله وفقًا لما يتلاءم مع الجهة التي تفرض الحصار. كما الهدف الآخر يتمثّل بالتأثير على السياسة الداخليّة للدولة المستهدفة وذلك لدفعها نحو تعديل ممارسات معيّنة تتعلّق بقضايا داخليّة. وهنا غالبًا ما يُشار إلى أنّ الدولة تنتهك حقوق المواطنين وبالتالي يُفرض عليها الحصار لدفعها نحو تعديل ذلك. ومن الأهداف الأخرى أيضًا هي عزل الدولة المستهدفة لإضعافها وارغامها على الاستسلام. وبذلك يتم "التضييق اقتصاديًّا على دولة ما لدفعها إلى الاستسلام، ولهذا النوع من الاجراءات آثار اقتصادية قوية على الدولة المستهدفة إذ من الصعب أن تعيش دولة في عالم اليوم بمعزل عن باقي دول العالم." وفي السياق نفسه قد تلجأ إلى الحصار الاقتصادي دولة ما أو مجموعة دول لفرض إرادتها على الدولة المستهدفة "وملئ شروطها وقيودها عليها لحملها على التراجع والاستسلام، والتخلي عن مطاليبها وسياساتها وأهدافها المعلنة وينضوي الحصار الاقتصادي المفروض على الدولة منعها من شراء ما تحتاجه من سلع وخدمات، وهنا يصبح اقتصاد الدولة المحاصرة في قبضة الدولة الفارضة للحصار والاستسلام لمطاليبها وشروطها، وقيودها." بالإضافة إلى الأهداف التي ذكرناها آنفًا، هناك هدف آخر مرتبط بسياسة الدول الكبرى والتهديدات الأمنيّة التي قد تتلقاها من دول أخرى، فتعمد إلى احتوائها تحت مسمّى السلم والأمن الدوليين وبالتالي يكون هدفها احتواء هذه الدول عبر الحصار.

 

وسائل الحصار الاقتصادي

إنّ وسائل الضغط على الدول المستهدفة من الحصار الاقتصادي تختلف تبعًا للهدف المنوي تحقيقه. وهذه الوسائل تتراوح ما بين الوسائل البريّة والبحريّة والجويّة. ففيما يتعلّق بالوسائل البريّة هي التي تتجلّى بتقييد الحركة التجاريّة والانتقال إلى ومن الدولة المستهدفة من الحصار. وذلك يتعلّق بفرض القيود على عمليتي الاستيراد والتصدير، بغية الضغط عليها لمنع وصول البضائع والمواد عبر أراضيها أو حتّى مرورها ضمن أراضيها. بينما الوسائل الجويّة ترتبط بغلق الطرق البحريّة للسفن التي تعود للدولة المستهدفة أو العمل على عزل موانئها. فيكون هدفها الأساسي "التأثير في اقتصاد البلد المستهدف وشل قدراته من خلال تعطيل حركة التجارة الخارجيّة المارة عبر البحر، ومنع مرور صادراته ووارداته بواسطة البحر أو من خلال تهديد موانئه التجارية وفرض الحصار عليها". أمّا الوسائل الجويّة تتعلّق بتقييد الحركة الجويّة إلى ومن البلد المستهدف، وذلك عبر طرق متنوّعة مثل فرض قيود على حركة الرحلات والطائرات سواء التجاريّة أو ككل. فيتجلّى الهدف الأساسي باستخدام المجال الجوي عبر إغلاقه كآليّة لتقويض الاقتصاد والتأثير على القطاعات المرتبطة بالنقل الجوي والتجارة الدوليّة لفرض ضغوط اقتصاديّة وسياسيّة على الدولة المستهدفة. 

 

أثر الحصار الاقتصادي

يختلف أثر الحصار الاقتصادي تبعًا لمجموعة من المتغيّرات المرتبطة بالدولة المستهدفة. وأبرز هذه المتغيّرات يتجلّى بالقدرة الاقتصاديّة للدولة التي يُفرض عليها الحصار ومدى قدرتها الإنتاجيّة ونسبة الإنتاج المحلي. فإنّ الدولة التي لديها إمكانات اقتصاديّة عالية تستطيع أن تصمد أكثر من الدول التي يكون اقتصادها ضعيفًا. فإنّ الدول القويّة اقتصاديًّا وتعتمد على انتاجها المحلي تستطيع أن تعتمد على إمكانياتها الذاتيّة وتحويلها إلى فرص. بينما الدول الضعيفة والتي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير تتفاقم أزماتها. فمن الآثار السلبيّة التي قد تنتج عن الحصار الاقتصادي ظهور العديد "من المشكلات الاقتصادية والأزمات المادية التي تتجسد بالتضخم المالي وارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطنين وانخفاض المستويات المعيشيّة للأفراد وشيوع البطالة وهبوط معدلات الإنتاج مع تدني مستويات الاستهلاك والتوفير والاستثمارات، فضلًا عن انخفاض قيمة العملة الوطنية بالنسبة للعملات الأخرى."

 

نماذج عن الحصار الاقتصادي

تتعدّد النماذج عن الحصار الاقتصادي التي تظهر حجم تأثيره على الدولة واقتصادها وكذلك المدنيين، ومن أهمّها:

- الحصار الاقتصادي على كوبا: إنّ الحصار الأمريكي الاقتصادي والمالي والتجاري على كوبا فُرض منذ ما يفوق عن 60 عامًا؛ وبالتحديد منذ العام 1962، وذلك عندما فرضه جون كيندي- John F Kennedy (الرئيس الأمريكي الأسبق) لتقليص التهديد الذي تمثّله بسبب قربها واصطفافها مع القوى الشيوعيّة. إذ أشارت منظمة أوكسفام- OXFAM إلى أنّ: "يُفرض 'الحظر' ، كما تسميه الولايات المتحدة، أو 'الحصار'، كما هو معروف في كوبا، قيودًا صارمة على الدولة الكاريبية، ويتجاوز نطاقه الحدود الإقليمية مما يعيق علاقاتها مع بلدان ثالثة وينتقص من رفاهيتها". فإنّ الحصار المفروض على كوبا قد خلّف أزمات عديدة على مختلف المستويات كالصحّة والتعليم، كما ساهم في ارتفاع الأسعار وتدني الرواتب وخفض المواد الغذائيّة والقدرة الانتاجيّة بحيث لا تلبي احتياجات السكان. وكذلك ساهم الحصار في منع التصدير وتدهور قطاع الكهرباء والحرمان من الإمدادات وفرض القيود على الحسابات المصرفيّة وغيرها… وقد كان أشار إلى آثار الحصار برونو روديغيز- Bruno Rodríguez (وزير العلاقات الخارجيّة لجمهوريّة كوبا) لدى عرضه مشروع "القرار الحاجة إلى إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا" حيث قال: "لأكثر من ستة عقود، قاومت كوبا حصاراً اقتصادياً وتجارياً ومالياً لا يرحم. أكثر من 80% من سكاننا الحاليين لا يعرفون سوى كوبا المحاصرة. لم تتوقف مساعي حكومة الولايات المتحدة لحرمان بلدنا من المداخيل المالية الأساسية، وخفض مستوى معيشة السكان، وفرض نقص مستمر في الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية، والتسبب في الانهيار الاقتصادي." وقد ولّد ذلك لها خسائر ماليّة أيضًا كبيرة، إذ أشار برونو إلى أنّ: "بالأسعار الجارية، تتجاوز الآثار المتراكمة على مدى أكثر من 60 عاماً 159 مليار دولار. وإذا تم الحساب على أساس قيمة الذهب، فإنها تصل إلى تريليون و337 مليار دولار."فإنّ الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا أدّى إلى معارضة دوليّة حيث في العديد من المرات (31 قرارًا) أدانت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بأغلبيّة الأصوات الحصار وقد كان ذلك القرار الأخير رقم 31 في تشرين الثاني من العام 2023، حيث أيدت 187 دولة قرار وقف الحصار إلّا أنّ عارضت الولايات المتحدة الأمريكيّة وإسرائيل القرار وامتنعت أوكرانيا عن التصويت.

- الحصار الاقتصادي على العراق: بعد غزو العراق للكويت فُرِض حصار اقتصادي على العراق وقد اتُخِذ عبر قرار مجلس الأمن رقم 661 المؤرخ في 1990. حيث اعتبر مجلس الأمن أنّ دولة العراق لم تمتثل لقراراته السابقة ولم تَعِد السلطة إلى الحكومة الشرعيّة في الكويت. وبالتالي أكّد عبر المادة الثالثة من القرار على "منع استيراد أي من السلع والمنتجات التي يكون مصدرها العراق أو الكويت، وتكون مصدرة منهما بعد تاريخ هذا القرار، إلى أقاليمها". وكذلك عمدت إلى منع التعاملات المرتبطة بالتصدير ومع رعاياها والسفن التي تحمل علمها، كما عملت على وقف تحويل الأموال إليها والموارد الاقتصاديّة للمشاريع التجاريّة أو الصناعيّة أو أي مشاريع أخرى. وقد كان لذلك أثر لافت على الاقتصاد العراقي وتدهوره، "وأسهم الحصار الاقتصادي والعقوبات الشاملة المفروضة على العراق في فترة التسعينيات إلى انهيار كبير في البنى التحتية، إذ تدهورت الصناعة والزراعة وتراجع الاقتصاد بشكل سريع مما أدى إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي". وقد بقي الحصار لفترة طويلة وتفاقمت الأزمات الناتجة عنه حيث ترافق مع أحداث عديدة كعاصفة الصحراء وصولًا إلى اتخاذ القرار بغزو العراق في العام 2003. فيقول محمد شحادة في هذا الصدد: "فرضت العقوبات على العراق في 6 أغسطس 1990 واستمرت حتى غزو عام 2003 كانت قاسية ولا إنسانية بمعنى عميق. لم يكن بإمكان الناس الحصول على المنتجات الغذائية الأساسية أو الإمدادات الطبية. أدى ذلك مباشرة إلى الجوع وسوء تغذية الأطفال المزمن وظروف صحية خطيرة أخرى، وحدوث الوفيات. تشير التقديرات الحذرة إلى أن ما لا يقل عن مليوني شخص توفوا نتيجة مباشرة لتلك العقوبات."

- الحصار الاقتصادي على غزة: فُرِض حصار اقتصادي من قبل الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ العام 2006 وذلك بعد استلام حماس إدارة القطاع، وتشدّد الحصار في العام 2007 بعد أن استطاعت حماس السيطرة عسكريًّا على القطاع. وبذلك "منعت السلطات الاسرائيليّة إدخال المحروقات بكافة أنواعها من بنزين وغاز وديزل، ولم تسمح بإدخال الكثير من السلع، كاللحوم والدواجن… وقلصت مساحة الصيد في بحر غزة وأغلقت جميع المعابر الحدوديّة." وكذلك عمدت إلى تقييد حركة الأفراد والسفر ومنعت تدفق البضائع ممّا قيّد الحصول على الخدمات والسلع الأساسيّة. وقد عمدت إلى إضعاف القدرة على تطوير الاقتصاد المحلي بما فيه التعليم والصحة أيضًا. وقد كان لذلك أثر على مختلف الأوضاع فيه، ممّا خلّفت نقصًا في احتياجات المواطنين وارتفاع نسبة البطالة والفقر. إضافةً إلى ذلك إنّ "القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع وتدمير الأصول الإنتاجية في العمليات العسكرية المتكررة والحظر المفروض على استيراد التكنولوجيات والمدخلات الرئيسية أدت إلى تفريغ اقتصاد غزة. وانخفض الاستثمار في عام 2022 إلى 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي لغزة، أو 1.9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني. ومن عام 2006 إلى عام 2022، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة بنسبة 27%، وتقلصت حصته في الاقتصاد الفلسطيني من 31% إلى 17.4%". وقد أيضًا أدّى الحصار الاقتصادي إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى حوالي 45% وأدّى إلى زيادة الاعتماد على المساعدات. بالإضافة إلى ذلك "هذه الأزمات الاقتصادية صاحبها انكماش في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات الفقر من 40% في عام 2005 إلى 61.6% خلال عام 2022."

فإنّ الحصار الاقتصادي الذي يُفرض سواء من قبل الدول أو المنظّمات الدوليّة يؤدّي إلى أزمات عديدة في الدولة المستهدفة ممّا يؤثّر على أوضاع المدنيين. وعلى المقلب الآخر في سبيل دفاع الشعوب عن حقوقها قد تعمد في بعض الأحيان إلى فرض مقاطعة على الجهات التي تنتهك حريّاتها وحقوقها، فما هي المقاطعة؟ وهل تُفرض فقط من قِبل الشعوب أم أنّها أداة تستخدمها الدول وأطراف أخرى أيضًا؟

 

 

 

المصادر والمراجع:

غراهام ايفانز وجيفري نيونهام، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، الطبعة الأولى، الإمارات العربية المتحدة، 2004.

وضاح زيتون، المعجم السياسي، دار أسامة ودار المشرق الثقافي، الطبعة الأولى، الأردن، 2006.

محمد صلاح محمود، العزل في السياسة الخارجيّة السعوديّة حيال قطر، مجلة دراسات دوليّة، العدد الحادي والثمانون.

المرصد المتوسطي لحقوق الإنسان، جيل تحت الحصار- تداعيات الحصار الإسرائيلي على غزة، كانون الثاني 2023.

المادة 41، الفصل السابع، ميثاق الأمم المتحدة الصادر في العام 1945.

غنية سطوطح، العقوبات الاقتصاديّة الدوليّة في نظام الأمم المتحدة، مجلة دائرة البحوث القانونيّة والسياسيّة- مخبر المؤسسات الدستوريّة والنظم السياسيّة، العدد الرابع، 2018.

عفيف صندوق، الحصار الاقتصادي (خلفياته، آليات مواجهته) واقع الجمهورية العربية السورية وجمهورية إيران الإسلامية خلال الفترة 2010–2021)، مجلة البعث، المجلد 44، العدد 31، 2022. 

عطا الله سليمان الحديثي، أثر الحصار الاقتصادي في الأمن الغذائي، مجلة كلية الآداب، العدد 59.

مراد بن صغير، الأبعاد الإنسانيّة لعقوبة الحصار الاقتصادي وأثرها في تقويظ الجهود الدوليّة للحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة.

 خطاب برونو روديغيز، عرض مشروع القرار "A/RES/78/L.5"بعنوان "الحاجة إلى إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا"، منشور عبر موقع وزارة الخارجيّة لجمهوريّة كوبا، بتاريخ 2-11-2023.

المادة 3، القرار 661 المؤرخ في 6 آب 1990، الصادر عن مجلس الأمن.

أحمد السهيل، مقال بعنوان: "ثلاثة عقود سوداء في تاريخ العراق"، منشور عبر إندبندنت عربيّة، بتاريخ 20-03-2023، تاريخ آخر دخول: 04-02-2024، الساعة: 11:30.

Mohammad Shehadeh, How to Kill an Entire Country- The Legacy of the Sanctions against Iraq, published in tni site, at 26-07-2023.

Beyza Binnur Donmez, article titled: “Israeli blockade of Gaza devastated its economy even before latest conflict…”, published in AA site, on 25-10-2023.

Graeme Bannerman, 'Blockade' and 'Embargo' Have Different Meanings, published in Middle East Institute, 07-08-2010.

The Content Authority, Blockade vs Embargo: When To Use Each One? What To Consider.

Collins Dictionary, Meaning of Economic Blockade. 

Nicholas Mulder, article titled: The History of Economic Sanctions as a Tool of War, published in Yale University Press, February 24 of 2022.

Wolff Heintschel von Heinegg, Naval Blockade, International Law Studies, Volume 75.

OXFAM, report titled: Right to Live Without A Blockade, May 2021.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia